~||×وفاة قلبي× ||~

~||×وفاة قلبي× ||~

أسمع أصواتهم.. فالكل يتحدث.. لكن لا أعي ما يقولون.. ولا أكاد أراهم.. دموعي تملئ عيناي.. وتفيض مدرارا على خدي.. علها تخفف ألمي.. وتبعد ندمي.. وحسرتي.. لكن عبثاً أحاول..
تخاطبني احداهم:
(( لا تبكي غاليتي.. ستفسدين أحلى أيام عمرك.. أم أنك تريدين أن يقول انك قبيحة..))..
علا ثغري بابتسامة ساخرة.. و لا أعلم لماذا..؟!!..
أسخرية من نفسي.. أم قدري.. أم على ما قالت بانه أجمل أيام عمري..!!

تتعالى الأصوات.. بين الحشود.. بين همسات فرح.. وسرور.. ويتعالى صوت بداخلي.. بين حرقة.. و ألم.. وجروح.. يقول لي : " مازالت لديك الفرصة.. انتهيزيها.. " احاول أن أسكته.. أمشي مرتدية فستان الزفاف.. الذي تلبد بهمومي و أحزاني.. وها أنا مستعدة.. لأقيم العزاء بمناسبة موت قلبي..!!

أتذكر لحظة وفاته.. عندما جاء صوت أبي كصاعقة بالنسبة لي.. كتب نهايتي.. بيده.. و أقحمني في مسرحيته القاتلة.. اتقن دوره بتفوق.. واختتم المشهد بقول : " لن أدعه يدمر حياتي.. لن ادعه يهدم ما بنيته بيدي.. فإن كنت سبيلاً للخلاص منه.. ومن الافلاس.. فليكن.. "

كانت كلماته مدمرة.. لحبي.. قاتلة لما تبقى من حياتي.. و إن كنت اشك أن لي في الحياة بقية.. فكيف أحيا.. و أنا أزف اليوم لغيره..؟!.. كيف أحيا. و أنا خذلته.. وخذلت حبنا..؟! كيف..؟! تساؤلات كثيرة.. لا حقتني.. وما زالت لا تكف عن ملاحقتي..

أعود لواقعي.. تطربني تلك الموسيقى.. نعم إنها.. إنها هي.. اغنيته المفضلة.. تعود لي أيام الخوالي ..
" كم احب هذه الأغنية فهي تذكرني بك.. "
يرن صوته في أذني.. ويزداد ألمي.. أخطو خطواتي متثاقلة.. لم تعد قدماي تستطيعان حملي.. وتستمر الأغنية في تقطيعي ارباً.. ارباً.. اتمزق من الداخل.. اتحول إلى أشلاء.. أرجوكِ.. كفي عن تعذيبي!!

أتفحص وجوه الحاضرين.. علني ألمحه بينهم.. ليخلصني.. لينتشلني من هذا العذاب.. لينتشلني قبل أن أموت مرة أخرى.. ليأخذني من هذا الجحيم.. ليعيدني إليه.. ليضمد تلك الوخزات المؤلمة التي تكاد أن تكون دامية.. ولكن.. علي من اكذب فها هو ذلك اليوم يتمثل أمامي.. وصور الماضي تجتاحني.. أتوقف عند آخر لقاء.. تخلله عناق أخير..مصافحة أخيرة.. دموع.. وداع.. وفراق باختياري دون أدنى تبرير له..!!

ابتسم ابتسامتي الزائفة..في محاولة لتصنع الفرح.. ولكن للأسف لا أستطيع.. فقد باءت محاولتي بالفشل .. و محاولاتي في اسكات الصوت الذي بداخلي باءت بالفشل أيضاً..!

ضاقت أنفاسي.. لا أرى إلا صورته.. لا أستطيع الاحتمال أكثر.. اشعر بمشاعر تجتاحني.. و افكار متداخلة.. أسمع صوته.. يناديني.. و صورته تتمثل في كل وجه يقابلني.. أستجمع قواي.. " لن يتم هذا الزفاف " قلت كلماتي..و لا أعرف كيف تحليت بالشجاعة لقول ذلك..قلتها.. وغادرت.. أمام دهشة الحاضرين .. وهمزاتهم.. ووعيد أبي.. وغضب والدتي.. خرجت بصمت.. وتركت قلبي يقودني.. إلى صاحبه.. إلى من ملكه.. إلى من يعيد إليه الحياة.. من جديد..

لا أدري.. كيف مر الوقت سريعاً.. بعدها.. وصلت شقته.. ونار الاشواق بداخلي تتقد.. رفعت يدي لأطرق الباب.. مرتجفة.. خائفة.. فأنا لازلت أذكر أخر لقاء قبل بضعة شهور.. كان الجو متوتراً بيننا.. طرقت الباب وكلي امل ان يكون خلفه.. سمعت وقع أقدام تقترب من الباب.. ومع كل خطوة تزداد السرعة.. ويزداد قلقي.. وتزداد نبضات قلبي.. ويزداد خوفي.. وتكثر تساؤلاتي..

هاهو يتوقف.. وتوقفت أنفاسي معه.. فتح الباب.. زارت وجهه ابتسامة فرح ممزوجة بدهشة.. انظر اليه.. وهاهو سيل من المشاعر تتدفق إلى خافقي.. واعتراني الحنين.. التقت أعيننا .. وكان الشوق بادياً على محيانا وكأننا لم نلتقي منذ عدة سنين.. شعرت وقتها بحاجة ملحة.. بأن أرتمي بين ذراعيه.. كطفلة كما كنت افعل سابقاً.. ولم اتوانى عن ذلك.. فبدأت أتقدم بخطوات بطيئة نحوه.. يقودني قلبي إليه.. وكل جوارحي تنادي باسمه.. أقترب .. ولكن أوقفني ما لمحته في يده.. وبالتحديد ما يطوق خنصره.. لم أصدق ما رأته عيناي.. نظرت إليه.. فإذا به يهز رأسه بالايجاب.. مؤكداً صحة ظنوني.. خيم الصمت علينا.. وبدأت دموعي بمواساتي.. تتساقط.. على خدي.. و شعرت و كأن أحلامي تتساقط معها..

اقترب مني.. وهمس في أذني: " ألا تظنين بأنك تأخرت قليلاً.." قالها بصوت ممزوج بالألم.. والحنين و الندم.. تزاحمت حروفي.. خذلتني كلماتي.. و خانتني عباراتي.. لكني حاولت.. واستجمعت ما بقي من قوتي.. " يبدو أنه كذلك.. مبروك.." قلتها بصوت حزين.. وقلب يئن ألماً.... قلتها وحتى اني لم أقوى ان انظر إليه مرة أخرى.. خوفاً من أن أضعف أمامه.. انسحبت ببطء.. و انا أحس بنظراته تتبعني.. لكني أكملت.. طريقي ولم ألتفت إلى الوراء.. أوقفني..
قلت له.. و انا أتحاشى النظر إليه ..
" أتدارك إعصار قلبي.. فأجمع الدم المتبقي.. أبتعد عنك.. لأني احبك.."

سرت ليلاً.. لا ادري كم المدة او المسافة.. سرت ولا أدري إلى أين.. سرت و انا اجر أذيال الخيبة.. ظلام يخيم على عالمي.. أشعر بفراغ كبير.. وحنين وشوق إلى ماضي جميل كتب عليه بأن يمحى.. وكتب عليه بأن يدفن..احس بأن أوسع الطرق مسدودة.. وكل أحلامي مستحيلة.. أحس بروحي تختنق.. وها هو قلبي يحتضر مرة أخرى.. لم اضع في الحسبان.. بأن ذهابي إليه.. سيكون يوم وفاة قلبي للمرة الثانية..!!

همسة:
"من السهل أن ينسى الانسان نفسه..
لكن من الصعب ان ينسى نفساً سكنت نفسه.."

*****